الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال أبو حيان: قرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، بفتح السين حيث وقع، وهو القياس، لأن ماضيه على فَعِلَ بكسر العين. وقرأ باقي السبعة بكسرها، وهو مسموع في ألفاظ، منها: عمد يعمد ويعمد، وقد ذكرها النحويون، والفتح في السين لغة تميم، والكسر لغة الحجاز، والمعنى: أنهم لفرط انقباضهم، وترك المسألة، واعتماد التوكل على الله تعالى، يحسبهم من جَهِلَ أحوالهم أغنياء، و: من، سببية، أي الحامل على حسبانهم أغنياء هو تعففهم، لأن عادة من كان غني مال أن يتعفف، ولا يسأل، ويتعلق، بيحسبهم وجر المفعول له هناك بحرف السبب، لانخرام شرط من شروط المفعول له من أجله وهو اتحاد الفاعل، لأن فاعل يحسب هو: الجاهل، وفاعل التعفف هو: الفقراء. وهذا الشرط هو على الأصح، ولو لم يكن هذا الشرط منخرمًا لكان الجر بحرف السبب أحسن في هذا المفعول له، لأنه معرف بالألف واللام، وإذا كان كذلك فالأكثر في لسان العرب أن يدخل عليه حرف السبب، وإن كان يجوز نصبه، لكنه قليل كما أنشدوا. أي: للجبن، وإنما عرف المفعول له، هنا لأنه سبق منهم التعفف مرارًا، فصار معهودًا منهم. وقيل: من، لابتداء الغاية، أي من تعففهم ابتدأت محسبته، لأن الجاهل بهم لا يحسبهم أغنياء غنى تعفف، وإنما يحسبهم أغنياء مال، فمحسبته من التعفف ناشئة، وهذا على أنهم متعففون عفة تامة من المسألة، وهو الذي عليه جمهور المفسرين، وكونها للسبب أظهر، ولا يجوز أن تتعلق: من، بأغنياء، لأن المعنى يصير إلى ضد المقصود، وذلك أن المعنى: حالهم يخفى على الجاهل به، فيظن أنهم أغنياء، وعلى تعليق: من، بأغنياء يصير المعنى: أن الجاهل يظن أنهم أغنياء، ولكن بالتعفف، والغني بالتعفف فقير من المال، وأجاز ابن عطية أن تكون: من، لبيان الجنس، قال: يكون التعفف داخلًا في المحسبة، أي: أنهم لا يظهر لهم سؤال، بل هو قليل. وبإجمال فالجاهل بهم مع علمه بفقرهم يحسبهم أغنياء عفة. فمن، لبيان الجنس على هذا التأويل. انتهى. وليس ما قاله من أن: من، هذه في هذا المعنى لبيان الجنس المصطلح عليه في بيان الجنس، لأن لها اعتبارًا عند من قال بهذا المعنى لمن يتقدّر بموصول، وما دخلت عليه يحصل خبر مبتدأ محذوف، نحو: {فاجتنبوا الرجز من الأوثان} التقدير: فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان. ولو قلت هنا: يحسبهم الجاهل أغنياء الذي هو التعفف، لم يصح هذا التقدير، وكأنه سمى الجهة التي هم أغنياء بها بيان الجنس، أي: بينت بأي جنس وقع غناهم بالتعفف، لا غنى بالمال. فتسمى: من، الداخلة على ما يبين جهة الغنى لبيان الجنس، وليس المصطلح عليه كما قدمناه، وهذا المعنى يؤول إلى أن من سببية، لكنها تتعلق: بأغنياء، لا: ب {يحسبهم}، ويحتمل أن يكون: يحسبهم، جملة حالية، ويحتمل أن يكون مستأنفة. اهـ. .فروق لغوية دقيقة: .الفرق بين الفقر والمسكنة: فجعل للفقير حلوبة المسكين الذي لا شيء له فأما قوله تعالى: {فكانت لمساكين يعملون في البحر} فأثبت لهم ملك سفينة وسماهم مساكين فإنه روي أنهم كانوا أجراء فيها ونسبها إليهم لتصرفهم فيها. والكون فيها كما قال تعالى: {لا تدخلوا بيوت النبي} ثم قال: {وقرن في بيوتكن} وعن أبي حنيفة في من قال مالي للفقراء والمساكين أنهما صنفان وعن أبي يوسف أن نصف المال لفلن ونصفه للفقراء والمساكين وهذا يدل على أنه جعلهما صنفا واحدا والقول قول أبي حنيفة ويجوز أن يقال المسكين هو الذي يرق له الإنسان إذا تأمل حاله وكل من يرق له الإنسان يسميه مسكينا. .الفرق بين الفقر والإعدام: .الفرق بين الفقير والمصرم: .الفرق بين الفقير والمملق: .الفرق بين الخلة والفقر: .الفرق بين الفقر والحاجة: .وما يخالف الحظ الحرمان والحرمان الفرق بينهما: .الفرق بين الفقير والبائس: .تفسير الآية رقم (274): .مناسبة الآية لما قبلها: .قال البقاعي: ولما كان الانتهاء عن المن والأذى في بعض الأحوال أشد ما يكون على النفس لما يرى من المنفق عليه من الغض ونحو ذلك فلا يكاد يسلم منه أحد. ابتدأ الجزاء في آيته من غير ربط بالفاء إشارة إلى العفو عما يغلب النفس منه تنزيلًا له منزلة العدم، وإيماء إلى تعظيمه بكونه ابتداء عطية من الملك، ترغيبًا في الكف عنه، لأنه منظور إليه في الجملة، وربط الجزاء في هذه إعلامًا بأنه مسبب عن هذه الأحوال، لأن الأفعال أيسر من التروك فحصوله متوقف على حصولها، حثًا على الإتيان بها كلها للسهولة في ذلك، لأن من سمح بالإنفاق لله سبحانه وتعالى استوت عنده فيه الأوقات فقال: {فلهم أجرهم} وسببيته كونه علامة لحصول الأجر، لا أنه سبب حقيقي، إنما السبب الحقيقي رحمة الله بالتوفيق للعمل والاعتداد به، واعلم بأنه محفوظ مضاعف مربي لا يضيع أصلًا بقوله: {عند ربهم} أي فهو يربي نفقاتهم ويزكيها كما رباهم، ثم ختم آي النفقات بما بدأها به من الأمن والسرور فقال: {ولا خوف عليهم} كما فرحوا بها عن غيرهم {ولا هم يحزنون} لأنه لا ثواب أعظم من ذلك، إذ لا عيشة لحزين ولا خائف؛ ولشدة مشاق الإنفاق على الأنفس لاسيما في أول الإسلام لما كانوا فيه من الضيق أكد تعالى فيه هذا التأكيد بجملته وبينه هذا البيان الواضح حتى لم يبق فيه خفية وجه إلا أظهرها وحذر منها وقررها- أشار إلى ذلك الأستاذ أبو الحسن الحرالي فقال: فأفضلهم المنفق ليلًا سرًا. وأنزلهم المنفق نهارًا علانية؛ فهم بذلك أربعة أصناف- انتهى. اهـ. .قال الفخر: الأول: لما بيّن في هذه الآية المتقدمة أن أكمل من تصرف إليه النفقة من هو بيّن في هذه الآية أن أكمل وجوه الإنفاق كيف هو، فقال: {الذين يُنفِقُونَ أموالهم باليل والنهار سِرّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ}. والثاني: أنه تعالى ذكر هذه الآية لتأكيد ما تقدم من قوله: {إِن تُبْدُواْ الصدقات فَنِعِمَّا هِىَ} [البقرة: 271]. والثالث: أن هذه الآية آخر الآيات المذكورة في أحكام الإنفاق، فلا جرم أرشد الخلق إلى أكمل وجوه الإنفاقات. اهـ.
|